قامت الإدارة الكولونيالية الفرنسية بعملية واسعة لتدمير الغابات الجزائرية على مدار 132 سنة.
وفقاً لتقديرات الدراسات المعتمدة، تمّ تدمير نصف الغابات الجزائرية ما بين سنتي 1830 و1962.
واللافت أنّه قبل الاستعمار، كانت الجزائر تمتلك حوالي خمسة ملايين هكتار من الغابات.
ولم يتبق منها غداة الاستقلال سوى مليونين ونصف هكتار، وذلك بالنظر للاستغلال المفرط للخشب.
وأتى ذلك أيضاً بسبب الحرائق المهولة والقصف بـ (النابالم) في محاولات استعمارية فاشلة لقمع صوت الحرية.
ومنذ العام 1838، سارعت الإدارة الفرنسية إلى تقنين “النهب” عبر إصدار سلسلة من التشريعات التقييدية المتعلقة بحقوق الاستخدام.
وتمّ إصدار قانون 1851 الذي يمنح للدولة (المستعمر الفرنسي) حق امتلاك الغابات.
وسمح قانون 1860 بالاستيلاء على الممتلكات في إطارالمنفعة العامة، في حين وضع قانون 1882 إجراءات الاستيلاء على الأراضي الجبلية.
وبين قانون وآخر، وضعت الادارة الفرنسية حيز التنفيذ العديد من المراسيم والقرارات لتقييد حقوق السكان.
وأعطى المرسومان الصادران عامي 1867 و1870 لأصحاب الامتياز في مجال الغابات حق التنازل المجاني عن المقاطع المحترقة.
وجرى تخصيص ذلك في نطاق شعبة الفلين.
وكانت هذه الثروة عرضة للنهب منذ السنوات الأولى للاحتلال.
وأحكمت الإدارة الاستعمارية بعد وضعها لهذه الترسانة القانونية سيطرتها على المساحات الغابية وثرواتها.
المعطى حرم مئات الآلاف من العائلات الجزائرية من وسائل عيشها.
وأدى ذلك إلى تهجير قسري لآلاف الأشخاص، بحثاً عن مصادر رزق في أماكن أخرى.
افرازات التدمير
استخدمت فرنسا الاستعمارية الحرائق كإستراتيجية للتقدم في أهدافها الاستعمارية وطريقة لقمع المقاومة الشعبية وجميع الانتفاضات.
واستخدمت ما تقدّم، في “تبرير” حرق الغابات الجزائرية.
وتشير الإحصاءات إلى أنّه خلال 87 عاماً (ما بين 1876 و1962)، تعرضت مساحة إجمالية غابية تقدّر بـ 3506942 هكتار للحرق.
وهو ما يشكّل معدلاً بـ 41258 هكتاراً سنوياً.
وذلك استناداً إلى باحثين زراعيين جزائريين اتكأوا على بيانات مجمعة للإدارة الاستعمارية.
وشهدت سنوات 1881، 1892، 1894، 1902، 1913 و1919 حرائق مدمّرة وصلت إلى مئة ألف هكتار سنوياً.
واستمرت الحرائق خلال حرب التحرير، حيث تعرضت مساحة غابية تقدر بـ 645414 هكتاراً للنيران.
وبين عامي 1956 و1958، جرى تدمير 435646 هكتاراً في حرائق عديدة مع تسجيل ذروة في سنة 1956.
وبلغت المساحة المدمرة 204220 هكتاراً، وذلك بسبب القصف الجوي بـ (النابالم) والحرائق المتعمدة.
التاريخ العظيم يتشامخ
بعد سبعة عقود عن اندلاع الثورة المجيدة، لا تزال الغابات الجزائرية تكتنز تاريخاً عظيماً ومواقع تحتضن جزءً من الذاكرة الجماعية.
وتتصدر غابات جبال الونشريس التي احتضنت معركة بني بوستور (50 كيلومتراً جنوب الشلف) في السادس عشر جانفي 1958.
وعلى دروب الذاكرة الجماعية، يتقاطع ممر محاط بأشجار البلوط والزيتون، في جبال جرجرة بمعركة “موسى آيت يحيى”.
ووقعت المعركة على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب تيزي وزو في السادس جانفي 1959، بالمكان المسمى بوغرفان.
ويشهد المكان على شجاعة المجاهدين وإيمانهم بعدالة كفاحهم من أجل تحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي.
وعند منعطف ممر لأشجار الأرز، تستحضر الذاكرة معركة باب البكوش.
ووقعت هذه المعركة بين الثامن والعشرين والحادي والثلاثين ماي 1958 في بلدية لرجام بولاية تيسمسيلت.
وتعود التضاريس الوعرة في الأوراس المؤدية إلى قلب غابة “منطقة كيمل” بباتنة، بالذاكرة الجماعية الى معركة “تبابوشت”.
ونشبت هذه المعركة في ديسمبر 1954 لتعكس عزم الرجال والتزامهم بالكفاح إلى آخر نفس من أجل قضيتهم النبيلة.
وغير بعيد عن الأوراس، بمنطقة النمامشة، يرتفع الصنوبر الحلبي بشموخ بين الشجيرات المقاومة لقساوة المناخ.
ويذكّر المكان بمعركة الجرف الكبرى، التي وقعت بين الثاني والعشرين والتاسع والعشرين سبتمبر 1955 قرب ولاية تبسة، بكوكبة المجاهدين البواسل.
وتبقى معركة الجرف الكبرى شاهدة على نصر هام أربك خطط فرنسا الاستعمارية.