تسعى الجزائر لتحقيق التنوع الاقتصادي، والاستعداد لتخطي عصر النفط ومواكبة التنافسية في الأسواق العالمية.
ولتحقيق هذا المسعى، تعمد الجزائر إلى تبني استراتيجيات فعّالة مبنية على خطة مدروسة تجمع بين الأطر القانونية المنظمة والإمكانيات المتوفرة.
وإلى جانب ذلك، تعدّ توجهات وإرشادات الخبراء المبنى الأساسي الذي ترتكز عليه أي دولة لتحقيق الأهداف المنشودة.
وهذه التوجهات والارشادات تتيح الخروج من الحتمية النفطية إلى تبني اقتصاد متعدد المصادر.
▪ عزالدين بن أحمد
في إفادة لـ “الجزائر سكوب”، أكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور “مراد كواشي” أنّ للتنوع الاقتصادي أهمية بالغة واستراتيجية خاصة.
وأبرز أنّ هذه الأهمية والاستراتيجية تتسعان في الوقت الراهن.
وأضاف كواشي أنّ الجزائر سعت وتسعى منذ الاستقلال لتحقيق التنويع الاقتصادي.
وهذا لكسر الارتباط بالمحروقات وتفادي الهزات التي يشهدها سوق النفط بشكل عام.
وأشار إلى أنّ اعتماد الجزائر على النفط من دون تنويع اقتصادي، يؤثر على ميزانية الدولة وتوازنها المالي.
وتابع: “الدولة الجزائرية تعمل على احداث تغيير من خلال كسر الارتباط بالمحروقات وهذا بالاعتماد على عدّة قطاعات”.
واستدلّ بالفلاحة والمناجم وقطاعات أخرى استراتيجية.
ويرى كواشي أنّ الاعتماد على التنويع الاقتصادي، من شأنه تقليل الهزات الاقتصادية وأخطارها المحتملة.
وذكر أنّ هذه الأخطار المحتملة تنتج عن ارتباط اقتصاد الدولة كرهينة بالمحروقات.
واعتبر المتحدث أنّ التنوع الاقتصادي يمكّن من تغطية أي تراجع لتأخر قطاع المحروقات.
الكاريكاتير لـ : زكرياء دربيخ
توفير مداخيل القطاعات المنتجة
رأى كواشي باستراتيجية توفير مداخيل القطاعات المنتجة كالسياحة والصناعة والفلاحة وغيرها.
وأشار كواشي إلى أنّ الاقتصاد القوي يعني اقتصاداً متنوعاً متعدد المصادر وليس رهينة قطاع واحد.
ونوّه إلى أنّ الاقتصاد القوي يعتمد على مجموعة قطاعات متكاملة.
بدوره، طرح خبير التنمية الاقتصادية والاقتصاد الرقمي، الدكتور عبد الرحمان هادف، أهمّ متطلبات وشروط تحقيق التنوع الاقتصادي في الجزائر.
وفي تصريح لـ “الجزائر سكوب”، قال إنّها تتعلق أساساً بالمستويين السياسي والاستراتيجي.
تهيئة البيئة
أضاف هادف أنّه أصبح من الضروري اعتماد رؤية حقيقية فيما يتعلق بنموذج تنموي بالنسبة للاقتصاد الجزائري.
وأضاف: “ينبغي تهيئة البيئة التي تسمح بمساهمة قطاعات أخرى في خلق الثروة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والنمو بصفة عامة”.
وأشار د. هادف إلى ضرورة اعتماد نظرة استراتيجية تهدف إلى التنوع الاقتصادي المستدام والقوي، بعيداً عن الظرفية.
وربط تجسيد ذلك من خلال نظرة سياسية حقيقية.
وأضاف د. هادف: “من الهام الاعتماد على قطاعات أخرى للمساهمة في تنويع الإقتصاد الوطني”.
وواصل: “على الدولة الجزائرية التفكير في سياسات قطاعية تسمح بالمساهمة بصفة أكثر، وبحسب خصوصيات كل قطاع”.
وقرأ هادف في تصريحات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والعمل الحكومي، نية وأهدافاً تمّ تسطيرها بشأن تنويع الإقتصاد الوطني.
وأفاد أنّ القطاع الفلاحي يساهم حالياً بـ 15 % من الناتج المحلي الخام، مع هامش ارتقاء إلى حدود 20 %.
ويساهم القطاع الصناعي بـ 5 %، ويشير هادف إلى أنه بحسب الأهداف المسطرة من قبل الحكومة، سيتجاوز الرقم 10 %.
وأكد المتحدث ذاته، أنّه صار ضرورياً تشجيع الاقتصاد الرقمي.
وأبرز د. هادف: “هذا النوع من القطاعات الاقتصادية من شأنه الاسهام في خلق الثروة.
وأضاف: “الإقتصاد الرقمي ستكون له تأثيرات كبيرة، وبإمكانه أن يصبح رافداً للقطاعات الأخرى المختلفة”.
وينطبق الأمر بنظر هادف، على قطاعات الاستخراج كالقطاع المنجمي المؤهّل للإسهام في التنويع الاقتصادي.
وأشار إلى أنّ هذا يمثّل المرحلة الأولى التي تكمّلها بيئة الأعمال والاستثمار بصفة عامة.
وقال هادف إنّه أصبح من الضروري العمل على الذهاب لمرحلة جديدة فيما يتعلق بترقية الاستثمار لأنّه يعتبر أهم محرّك للتنوع الاقتصادي.
ما تقدّم يرتكز على الصناعة والفلاحة والاقتصاد الرقمي.
ويرى هادف بوجوب تفعيل سياسات قطاعية واضحة تسمح بتشجيع الاستثمار في هذه المجالات.
وواصل الخبير في التنمية الاقتصادية أنّ اللبنة الأولى تمّ وضعها في كل ما يتعلق بقانون الاستثمار.
وخصّ بالذكر، الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار التي تقوم بعمل كبير في مجال الاستثمار.
بناء قائم على سياسة التنويع
في سياق متصل، يؤكّد الدكتور فريد كورتل الخبير الاقتصادي أنّ الجزائر بصدد بناء نظام اقتصادي مبني على سياسة التنويع.
وفي افادة لـ “الجزائر سكوب”، ذكّر بالمرحلة الممتدة بين سنتي 1962 و2019، والتي شهدت مجرد أقوال جوفاء دون تجسيدها فعلياً.
وأضاف المتحدث ذاته، أنّ الحكومة المتعاقبة خلال كل تلك السنوات، تحدثت عن تنويع الصادرات وفك الارتباط بالريع النفطي.
لكن تلك الأحاديث – يضيف كورتل – كانت مجرد أقوال لم يتمّ تطبيقها على أرض الواقع.
وأشار كورتل إلى أنّ ذلك كان مجرد أماني وتوقعات، والميدان لم يُثبِت أي شيء يدلّ على ذلك.
وأبرز: “دليل صحة كلامي أنّ الصادرات الجزائرية خارج المحروقات منذ الاستقلال إلى غاية 2019، لم تتجاوز الـ 1.83 مليار دولار”.
ويرى د. كورتل أنّ ذاك المعطى كان في أحسن الحالات.
ويخلص إلى أنّ هذا الرقم الإحصائي يؤكد انتفاء نية صادقة آنذاك للخروج من الريع النفطي والسير في تنويع الاقتصاد.
الانطلاق الفعلي
واصل د. كورتل القول إنّه بعد سنة 2019 وبداية 2022 كان هناك تعهد من قبل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
وبرز ذلك – يسجّل د. كورتل – في البرنامج الرئاسي المتعلق بالإقلاع الاقتصادي الذي منحه طابعاً استعجالياً.
وأشار المتحدث إلى أنّ الرئيس تبون ركّز على تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات.
وركّز د. كورتل على أنّ هذا كان أحد الانطلاقات الفعلية لتنويع الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات.
ويؤكّد الخبير كورتل أنّ بناء نظام اقتصادي مبني على سياسة التنويع الاقتصادي، يُؤرّخ له فعلياً وبجدية بدءاً من العام 2020.
هذا الكلام أكّده نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، عثمان ديون، الذي أشاد ببداية تنوع الاقتصاد الجزائري.
الإشادة لم تكن موجودة منذ الاستقلال إلى غاية 2019، مما يؤكد بمنظور كورتل “بداية مرحلة جديدة تتعلق بالتنويع الاقتصادي”.
السابقة الفعلية
يرى د. كورتل أنّ لغة الأرقام تؤكد انتقال الصادرات الجزائرية من 1.83 مليار دولار في العام 2019 إلى الملياري دولار.
ويتعلق الأمر بسابقة لم تشهدها الجزائر منذ سنة 1962.
ويحيل د. كورتل إلى تحقيق الجزائر سابقة فعلية في تنويع الإقتصاد خارج المحروقات في ظرف أربع سنوات.
في هذا الشأن، حقّقت الجزائر قرابة العشرين مليار دولار كصادرات خارج المحروقات.
ولم تكن تتجاوز هذه الصادرات غير النفطية في وقت سابق، السبعة مليارات دولار.
ونوّه د. كورتل إلى أنّ الرئيس تبون تعهّد في حملته الانتخابية الأخيرة، بايصال الرقم إلى 15 مليار دولار عام 2027.
وحول تعهّد الرئيس برفع الصادرات غير النفطية إلى 30 مليار دولار عام 2029، أكّد كورتل: “هذا الرقم لا يعدّ مستحيلاً”.
وأضاف: “الرئيس استند فيه لعدّة معطيات، حيث يراهن على الاستثمارات المنجمية الكبرى الموجودة في الجزائر والتي دخلت مرحلة كبرى”.
ويتصور د. كورتل: “الصناعة والفلاحة يمكن أن تساهما في تنويع الصادرات الجزائرية خارج المحروقات”.
ويتكئ على أنّ غالبية الصادرات الجزائرية من قطاع الصناعة كالحديد والأجهزة الكهرو منزلية والإلكترونية عموماً والأدوية”.
ولفت د. كورتل أيضاً إلى التمور والفواكه التي تحقّق الجزائر فيها اكتفاءً ذاتياً حالياً.
مفاتيح المؤسسات الناشئة
بخصوص بعض اضطرابات السوق، أكّد كورتل أنّ هذه الاضطرابات “مؤقتة”، ومردّ ذلك الطبيعة التي لا تلبّي القدر الكافي في فترات هذا الاضطراب.
وحول تمويل المؤسسات الناشئة كخيار استراتيجي، أكّد كورتل أنّ الدولة لم تنطلق من فراغ، بل من واقع ملموس.
وخلص إلى القول إنّ العالم بات يعتمد بصفة كبيرة على المؤسسات الناشئة للنهوض بالاقتصاد.
واستشهد بمجمع سوناطراك الذي أبرم جملة تعاقدات مع المؤسسات الناشئة في الجزائر للاستفادة من خدماتها.
هذه الخطوة ألغت فكرة تعاقد سوناطراك مع المؤسسات الأجنبية كانت ستدفع لها بالعملة الصعبة.
والأكيد أنّه لو تعاقدت سوناطراك مع تلك المؤسسات الأجنبية، كان ذلك سيؤثر على ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
وأورد د. كورتل أنّ الاعتماد على المؤسسات الناشئة يوفّر العملة الصعبة واليد العاملة ويكفل خدمات جاهزة في وقت قياسي.
وعليه، وجب الاهتمام بالمؤسسات الناشئة خصوصاً وأنّ الجزائر قفزت من ذيل الترتيب إلى مراتب متقدمة في هذا المجال.